سورة هود - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{يا قوم لا أسألكم عليه} يعني على تبليغ الرسالة {أجراً} يعني جعلاً آخذه منكم {إن أجري} يعني ما ثوابي {إلا على الذي فطرني} يعني: خلقني فإنه هو الذي رزقني في الدنيا ويثيبني في الآخرة {أفلا تعقلون} يعني فتتعظون {ويا قوم استغفروا ربكم} أي آمنوا به فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان لأنه هو المطلوب أولاً {ثم توبوا إليه} يعني من شرككم وعبادتكم غيره ومن سالف ذنوبكم {يرسل السماء عليكم مدراراً} يعني: ينزل المطر عليكم متتابعاً مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه وذلك أن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم فأمسك الله عنهم المطر مدة ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إن آمنوا بالله وصدقوه أرسل الله إليهم المطر فأحيا به بلادهم كما كانت أول مرة {ويزدكم قوة إلى قوتكم} يعني شدة مع شدتكم، وقيل: معناه أنكم إن آمنتم يقوِّكم بالأموال والأولاد وذلك أنه سبحانه وتعالى أعقم أرحام نسائهم فلم تلد فقال لهم هود عليه السلام إن آمنتم أرسل الله المطر فتزدادون مالاً ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت عليه فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد وقيل: تزدادون قوة في الدين إلى قوة الأبدان {ولا تتولوا مجرمين} يعني ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حال كونكم مشركين {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} أي ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول {وما نحن بتاركي ألهتنا عن قولك} يعني وما نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك {وما نحن لك بمؤمنين} يعني بمصدقين {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} يعني إنك يا هود لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بخبل وجنون لأنك سببتهم فانتقموا منك بذلك ولا نحمل أمرك إلا على هذا {قال} يعني قال هود مجيباً لهم {إني أشهد الله} يعني على نفس واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضاً علي: {أني بريء مما تشركون من دونه} يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبد ونها {فكيدوني جميعاً} يعني احتالوا في كيدي وضري أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضر ولا تنفع {ثم لا تنظرون} يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام وذلك أنه كان وحيداً في قومه فما قال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلا لثقته بالله عز وجل وتوكله عليه وهو قوله تعالى: {إني توكلت على الله ربي وربكم} يعني أنه فوض مره إلى الله واعتمد عليه {ما من دابة} يعني تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان لأنهم يدبون على الأرض {إلا هو آخذ بناصيتها} يعني أنه تعالى هو مالكها والقادر عليها وهو يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، والناصية مقدم الرأس وسمي الشعر الذي عليه ناصية للمجاورة قيل: إنما خصَّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم فإذا وصفوا إنساناً بالذلة مع غيره يقولون ناصية فلان بيد فلان وكانوا إذا أسروا أسيراً وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليمنوا عليه ويعتدوا بذلك فخراً عليه فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بما يعرفون من كلامهم {إن ربي على صراط مستقيم} يعني إن ربي وإن كان قادراً وأنتم في قبضته كالعبد الذليل فإنه سبحانه وتعالى لا يظلمكم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف والعدل فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه، وقيل معناه أن دين ربي هو الصراط المستقيم وقيل فيه إضمار تقديره إن ربي يحملكم على صراط مستقيم.


{فإن تولوا} يعني تتولوا بمعنى تعرضوا عن الإيمان بما أرسلت به إليكم {فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} يعني أني لم يقع مني تقصير في تبليغ ما أرسلت به إليكم إنما التقصير منكم في قبول ذلك {ويستخلف ربي قوماً غيركم} يعني أنكم إن أعرضتم عن الإيمان وقبول ما أرسلت به إليكم يهلككم الله ويستبدل بكم قوماً غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبد ونه فيه إشارة إلى عذاب الاستئصال فهو وعيد وتهديد {ولا تضرونه شيئاً} يعني بتوليكم إنما تضرون أنفسكم بذلك وقيل لا تنقصونه شيئاً إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء {إن ربي على كل شيء حفيظ} يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ لكل شيء فيحفظني من أن تنالوني بسوء.
قوله سبحانه وتعالى: {ولما جاء أمرنا} يعني بإهلاكهم وعذابهم {نجينا هوداً والذين آمنوا معه} وكانوا أربعة آلاف {برحمة منا} وذلك أن العذاب إذا نزل قد يعم المؤمن والكفار فلما أنجى الله المؤمنين من ذلك العذاب كان برحمته وفضله وكرمه {ونجيناهم من عذاب غليظ} يعني الريح التي أهلكت بها عاد وذلك أن الله سبحانه وتعالى أرسل على عاد ريحاً شديدة غليظة سبع ليلا وثمانية أيام حسوماً وهي الأيام النحسات فأهلكتهم جميعاً وأنجى الله المؤمنين جميعاً فلم تضرهم شيئاً، وقيل: المراد بالعذاب الغليظ هو عذاب الآخرة وهذا هو الصحيح ليحصل الفرق بين العذابين والمعنى أنه تعالى كما أنجاهم من عذاب الدنيا كذلك ينجيهم من عذاب الآخرة ووصف عذاب الآخرة بكونه غليظاً لأنه أعظم من عذاب الدنيا {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله} لمكا فرغ من ذكر قصة عاد خاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال وتلك عاد رده إلى القبيلة وفيه إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سيروا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا بها ثم وصف حالهم بقوله تعالى جحدوا بآيات ربهم يعني المعجزات التي أتى بها هود عليه السلام وعصوا رسله يعني هوداً وحده إنما أتى به بلفظ الجمع إما للتعظيم أو لأن من كذب برسول فقد كذب كل الرسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} يعني أن السفلة منهم اتبعوا الرؤساء والمراد من الجبار الرفيع في نفسه المتمرد على الله والعنيد المعاند الذي لا يقبل الحق ولا يتبعه.


{وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} يعني أردفوا لعنة تتبعهم وتلحقهم وتنصرف معهم واللعنة الطرد والإبعاد من رحمة الله {ويوم القيامة} يعني وفي يوم القيامة أيضاً تتبعهم اللعنة كما تتبعهم في الدنيا، ثم ذكر سبحانه وتعالى السبب الذي استحقوا به هذه اللعنة فقال سبحانه وتعالى: {ألا إن عاداً كفروا ربهم} أي كفروا بربهم {ألا بعداً لعاد} يعني هلاكاً لهم وقيل بعداً عن الرحمة.
فإن قلت: اللعنة معناها الإبعاد والهلاك فما الفائدة في قوله ألا بعداً لعاد لأن الثاني هو الأول بعينه.
قلت: الفائدة فيه أن التكرار بعبارتين مختلفتين يدل على نهاية التأكيد وأنهم كانوا مستحقين له {قوم هود} عطف بيان لعاد.
فإن قلت: هذا البيان حاصل مفهوم فما الفائدة في قوله قوم هود؟
قلت: إن عاداً كانا قبيلتين عاد الأولى القديمة التي هم قوم هود وعاد الثانية وهم إرم ذات العماد وهم العماليق فأتى بقوله قوم هود ليزول الاشتباه وجواب آخر وهو أن المبالغة في التنصيص تدل على تقوية التأكيد.
قوله عز وجل: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} يعني وأرسلنا إلى ثمود وهم سكان الحجر أخاهم صالحاً يعني في النسب لا في الدين {قال يا قوم اعبد وا الله} أي وحدوا الله وخصوه بالعبادة {ما لكم من إله غيره} يعني هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام ثم ذكر سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على وحدانيته وكمال قدرته فقال تعالى: {هو أنشأكم من الأرض} يعني أنه هو ابتدأ خلقكم من الأرض وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض {واستعمركم فيها} يعني وجعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذلك كان قوم عاد وقال مجاهد: أعمركم من العمرى أي جعلها لكم ما عشتم {فاستغفروه} يعني: من ذنوبكم {ثم توبوا إليه} يعني من الشرك {إن ربي قريب} يعني من المؤمنين {مجيب} لدعائهم {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا} يعني: قبل هذا القول الذي جئت به والمعنى إنا كنا نرجوا أن تكون فينا سيداً لأنه كان من قبيلتهم وكان يعين ضعيفهم ويغني فقيرهم، وقيل: معناه أنا كنا نطمع أن تعود إلى ديننا فلما أظهر دعاءهم إلى الله وعاب الأصنام انقطع رجاؤهم منه {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} يعني الآلهة {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه} يعني من عبادة الله {مريب} يعني انا مرتابون في قولك من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس ووقوعها في التهمة {قال} يعني قال صالح مجيباً لقومه {يا قوم أرأيتم الله} أي فمن يمنعني من عذاب الله {إن عصيته} يعني إن خالفت أمره {فما تزيدونني غير تخسير} قال ابن عباس معناه غير خسارة في خسارتكم وقال الحسن بن الفضل: لم يكن صالح في خسارة حتى يقول فما تزيدونني غير تخسير وإنما المعنى فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إلى الخسارة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9